The godfather cast

Wednesday, March 19, 2008

تمرد

كم هي حقيرة تلك الحياة التي نتغني بجمالها و بهائها؟
لم أصدق ما سمعت للحظة الأولي شخص لا أعرف عنه سوي أنه منضبط ولديه أولاد-معظمهم أصدقائي- لا يدخن و لا يشرب أي مشروبات روحية أو غيرها و لم يكون مصابا بارتفاع ضغط الدم...باختصار كان صاغ سليم كما يقولون و فجأة تأتي جملة واحدة
مصاب بانسداد في خمسة شرايين و اجراء عملية في القلب هي مسالة حتمية
هناك شخص سيرد ذكره يوما ما اعرفه جيدا جدا سمعته يقول للطبيب عندما أخبره بحتمية استئصال الزائدة الدودية بأن هذا ظلم! و بأنه يرغب ان يعيش ثم أنه في ريعان شبابه فلماذا تصيبه الأمراض؟
ثم أدركت بهدوء أن القدر ليس لديه قلب لكي يحابي هذا أو يختار ذلك لأنه لو كان لديه واحدا لفني الشيوخ جميعا و لما أصاب الشباب شيئا
بارد محايد كذلك الجالس علي مائدة الروليت ينتظر البلوي لتسقط في خانتك ثم يعلن أنك صاحب النصيب و يلقي عليك بالهموم
القدر لا يبكي احدا حتي لو كان رضيعا... و هو عنيد مهما أتخذت من احتياطات سيأتي اليك بنوائبه... كم أنت ظالم أيها القدر لو تعرف مرة أنك أصل البلوي لتوقفت عن عبثك معنا....لو تعرف أن ألاعيبك صارت مملة ننتظرها بقلق لا بشغف كل يوم لراجعت نفسك مرارا
كم أتمني أن تحاسب نفسك و تنظر الي هؤلاء الباكين........مرة
..................................
نحن أيضا لسنا نبلاء لماذا؟
هل سألت نفسك عن الذي حدث في العراق الخمسة سنوات الماضية؟
هذه ليست مزحة و كذلك ليست "كلام انشاء" كما يقولون دعني اخبرك بما حدث تعاطفت مع الجميع من خلال قناة الجزيرة ثم تابعت الموضوع لشهور عدة ثم صارت المسالة مجرد أرقام علي الشاشة و في الصحافة و الأنترنت
و هو ما حدث مع الانتفاضة الفلسطينية و الغارقين علي سواحل أوروبا من المصريين و سنوات الحكم التي قضاها الرئيس في الحكم
و هو ما تذكرته منذ يومين فقط أنه بحلول نوفمبر القادم تكون أمي-رحمها الله- قد مر علي وفاتها أثني عشرة سنة كاملة فأين كنت أيها القدر؟ عجيب هو أمرك حين تدس النسيان في الحزن ولا أدري أن كانت نعمة أم نقمة؟
و قد قرأت مرة في رواية أن الأسود حين تموت رفاقها تعيش في حزن أبدي ولا تختار لها رفيقا جديدا....كذلك الأفيال حين تعلم بدنو أجله فأنها تسير وحيدة الي المكان الذي تعتقد أن نهايتها ستكون فيه و تقوم بحفره بأنفسها..... أما نحن فنأمن علي حياتنا ببوليصة تأمين علي الرغم من جهلنا بالموعد كم أنت مضحك أيها القدر حين تنعتنا بأننا الرئيسيات في عالمك ... عالمك الذي يعيش فيه الجميع محاولين فك لغز لن يحله احد.... و نجاهد للاحتفاظ بمقاعدنا في قطارك الذاهب للمجهول.... مهما ظلمت و أعطيت من لا يستحق و خفضت من أجرنا عن
دورنا في فيلمك الهابط
.....................................
تخيلوا معي موظف يعمل بهمة و نشاط يقوم رئيسه بتخفيض أجره الي ما دون النصف لا لشيء الا لمجرد التسلية برؤية و جهه و هو حزين
ثم يوافق هذا الموظف علي الاستمرار في عمله بالأجر الجديد و يظهر منتهي الأخلاص لرئيسه هل رأيتم خسة أكثر من ذلك؟
ماذا ينقصه ليعلن التمرد و الرفض؟
لحظة واحدة من الشجاعة....لحظة واحدة من التمرد....عندها سيمتنع هذا الموظف عن الذهاب الي عمله و ستذهب الأفيال الي قبورها في هدوء....و سيرفض عمر مكرم أن يدفع الجزية لأعدائه الفرنسييين مختارا أن يموت بشجاعة.... و سيذهل أفلاطون تلميذ سقراط
برفض الأخير للخطة التي وضعوها لهروبه حين علم أن الأثينييين يخططون لقتله قائلا بهدوء و ابتسامة: لقد أدرت ظهري لهذا العالم الدنيء

Wednesday, March 12, 2008

معتصم سالم

أهم شييء في حياة الأستاذ "سالم" الصباحية هي كوب الشاي الذي صار بدون نعناع ضغطا للتكاليف في الفترة الأخيرة و لشرب الشاي عند الأستاذ سالم-و هو لقب لا ينطقه سوي صبي القهوة طلبا للبقشيش الذي لا يدفعه ضغطا للتكاليف أيضا- طقوس طويلة مثل تبريده بنقله من كوب لكوب و كذلك اقتران كوب الشاي "الميزو" برفيقتها السيجارة السوبر التي يجاهد الأستاذ سالم -و اللقب احتراما منا لحالته-في اخفاء مصدر خروجها من جسده و هو شرابه الكحلي المدفونة في حذاء يضحك للحياة منذ عام فعندما يدخل الاستاذ سالم الي القهوة في الصباح ببدلته الصيفية و معه اللفة الورقية المعتادة من الساندوتشات تعرف بمنتهي الدقة أن الساعة هي السابعة و النصف صباحا هذا لأن
الأستاذ سالم -كما يقول صديقه الماركسي- لديه غرام محفوظي بالنظام... هذا ما يجعل مشهد الاستاذ سالم و هو يأكل سندوتشات الفلافل
ثم يرشف الشاي و يدخن باستمتاع و يستمع الي الاذاعة الصباحية مشهدا تقليديا يتكرر في فيلم الانفتاح الذي بدأ منذ السبعينات و يعرض الي الآن دون نجاح جماهيري يذكر..... و لولا أن ابنائه في الجامعة المصرية و لولا أنه صاحب مرض لقدم استقالته من الشركة و ربما من
الحياة نفسها.... هذا ما دفع أصدقاؤه في الشركة-عندما رفض رشوة في صفقة توريد المازوت الأخيرة- يطلقون عليه سرا "العبيط" و لكنه لم يهتم
.......................
أكثر ما يؤرق العسكري عبد المولي هم هؤلاء المتظاهرين فهم السبب في حرمانه من الاجازة بسببهم لا يري ولديه بسببهم ينصهر قفاه في الحر لساعات غير معدودة بسببهم لا ينام في فراشه النحاسي مع زوجته و ينام في عربة الأمن المركزي التي لا تحمل سوي القمل و رائحة
العرق المنتن و هو بداخله العميق يعلم أن هؤلاء المتظاهرين كاذبون لحد النخاع فهم يدعون أنهم قادمون لتغيير الوضع و هم يأتون قبل المظاهرة في أفخر السيارات و التي لا تقل عن سيارات رجال الدولة في شييء....و هؤلاء يرتدون الأوشحة المزينة بأسم الله ثم يقولون أنهم نواب الشعب و أنهم الأقرب من الشعب و مع ذلك فعباراتهم جوفاء لا يفهمها و كذلك لا يفهم عبارات هؤلاء الذين يضعون البادج الاصفر مثل"أين الاشتراكية" و مثل "التحول الديمقراطي" و مثل تلك العبارات الكثيرة التي لا يدري كنهها و التي ترجمها أحد الخفراء
الذين يثق في آرائهم-فهو راسب ثانوية عامة- بأنها كلمات قبيحة لا يصح تداولها في مجتمع مسلم كمصر...لهذا عندما يقف أمامهم عبدالمولي لا يشعر بأي شفقة أو تعاطف بل العكس تماما يشعر بحقد و غل شديدين كلما تذكر أنهم السبب في حالته المزرية وقلة نومه
لهذا تكون أمنيته في و قفته -خصوصا أمام المحاكم-أن يصدر اليه الضابط المتنكر في بدلة مدنية بالضرب عندها يضرب هؤلاء الملاعين
بحماسة تدهش الضابط نفسه و ببنية صلبة بسبب كثرة الوقوف في الشمس الحارقة عندها يشعر بأهميته و بدوره في حماية أمن مصر و
بالهبة الألهية المتمثلة في عصا غليظة سوداء و درع من الفايبرجلاس......و بعد المظاهرة يتفرغ لمشاهدة الضابط و هو يلوك ساندوتشات اللحم البارد التي أحضرها بنفسه من محل قريب-دون أن يحاسب- فيجري ريقه جوعا و يتذكر الحكمة الوحيدة التي تعلمها من وقفته الطويلة
بأنهم جميعا "ولاد كلب في بعض".....ثم يخلع حذائه الميري في وقت الراحة -عشرة دقائق كل أربعة ساعات- ولا يجد أحدا ليضربه به
...............................
أخيرا شعر الأستاذ سالم بحقه في الثورة....ذلك عندما قطع مشهد جلوسه الصباحي علي القهوة منظر "الفلافلايا" الهزيلة التي قال صاحب عربة السندوتشات أنها ب35 قرشا كاملة لأن الأسعار جميعها غلت من زيت و دقيق و خضروات....و لأنه مولع بنظامه اليومي فقد تسبب
ذلك الغلاء في أفتقاده لكوب الشاي و لسيجارته الطويلة الأثيرة دفعه هذا التغيير لرفع عقيرته: آه يا ولاد الكلاب
و في انطلاقه الي شركته وهو متسلقا في الأتوبيس لمح الشركة من بعيد وقد و قف أمامها عدد غفير من العمال و الموظفين وهم ينددون بالغلاء الذي أمتص كل ما في جيوبهم من مال قليل اصلا أصوات هادرة تسب رئيس الشركة و وزارة التضامن و رئيس الوزراء و الكل
يطالب رئيس الجمهورية بالتدخل عندها أسترجع الأستاذ سالم أيام قد ولت في الستينيات و السبعينيات -و الأخيرة علي وجه الخصوص-لذا
عندما هبط من الأتوبيس في أتون المظاهرة أستعاد ابتسامة فقدها منذ زمن و هو يقول لصديقه الماركسي:يا كل دول مشربوش شاي الصبح
ناولني الميكروفون يا حنا
..................................
وقف العسكري عبد المولي ذاهلا أمام الموظفين و هويصدهم بوهن-داخلي لا خارجي- كل هؤلاء لا يجدون قوت يومهم هذه المظاهرة تختلف بالتأكيد لقد سمع عبارات فهمها أخيرا "لحمة" ثم أدهشه أن بقية العبارات كلها عن الطعام.....زيت سكر دقيق ووووو.....الي هذا
الحد! لماذا لم يظهر أصحاب الأوشحة و البادجات الصفراء....و من بعيد لمح ذلك العجوز الذي يهتف بحماسة شديدة ضد رئيس الوزراء
ووزير المالية و قد غمر العرق بدلته الصيفية .....أما الباشا الضابط فكان يجلس في السيارة و هو يتحدث في هاتفه المحمول و يدخن سيجارته الأجنبية في استمتاع.....بقي هذا الوضع لمدة ساعتين الي أن صدر من داخل الشركة عبر المذياع الداخلي صوت غليظ عجوز
عرفه الموظفون علي الفور:مش حتشوفوا مليم زيادة طول مانتوا في الشارع...خليكوا في الشارع لحد ما الشمس تسيحكوا....أدخلوا و نتفاهم محدش فيكوا حيلوي دراعي
عندها ازداد الغليان و ارتفعت الأصوات فأيقظت الضابط و رفاقه داخل السيارة فهبط منها و وجهه أسود توجه بسرعة الي الخطوط الأمامية
و لمح المتظاهرين من خبرته الطويلة أدرك أن ذلك العجوز و الذي يمسك له الميكروفون هما "قلب المظاهرة" أجري اتصالا قصيرا فعرف
أسميهما علي الفور فناداهم عبر ميكروفون خاص توقفت المظاهرة "تعالوا نتفاهم جوه الشركة" هكذا أنطلقت كلماته
فوجيء الضابط بالأثنان يرفعان صوتهما في الميكروفون منددين بتدخله في المظاهرة ثم تلاه المتظاهرون الذين رفعوا أصواتهم أكثر
هذه المرة..... ومن بعيد لم يلمح المتظاهرون هؤلاء المدنيين الذين أندسوا وسط الصفوف و بدأوا في سب النظام و الحزب و أمين سياساته
عندها أبتسم الضابط بعدما أيقن بنجاح الخدعة و أتجه لعبد المولي و رفاقه:أضربوا ولاد الكلب دول
عندها تجرأ -ولأول مرة- العسكري عبد المولي و سأل :بس يا باشا....دول
قاطعته صفعة قوية تعلمها الضابط في أكاديمية الأمن:أنت بتقول أيه مسمعتش يا صعيدي يا بن الشرموطة
عندها فقط أستعاد عبد المولي عصايته و درعه الفايبرجلاس و أمطر المتظاهرين بالعصا السوداء بضرباته و هو يصرخ من وسط دموع
أبي أن تنحدر علي وجهه:آه يا ولاد الكلاب
أما الأستاذ سالم فقد ظلل يردد نفس الجملة و الدماء تتفجر من رأسه الأصلع....و عندما سألته زوجته عن سبب تلك الدماء في المساء
قال لها بحسرة: أصلي مشربتش الشاي الصبح