The godfather cast

Wednesday, March 12, 2008

معتصم سالم

أهم شييء في حياة الأستاذ "سالم" الصباحية هي كوب الشاي الذي صار بدون نعناع ضغطا للتكاليف في الفترة الأخيرة و لشرب الشاي عند الأستاذ سالم-و هو لقب لا ينطقه سوي صبي القهوة طلبا للبقشيش الذي لا يدفعه ضغطا للتكاليف أيضا- طقوس طويلة مثل تبريده بنقله من كوب لكوب و كذلك اقتران كوب الشاي "الميزو" برفيقتها السيجارة السوبر التي يجاهد الأستاذ سالم -و اللقب احتراما منا لحالته-في اخفاء مصدر خروجها من جسده و هو شرابه الكحلي المدفونة في حذاء يضحك للحياة منذ عام فعندما يدخل الاستاذ سالم الي القهوة في الصباح ببدلته الصيفية و معه اللفة الورقية المعتادة من الساندوتشات تعرف بمنتهي الدقة أن الساعة هي السابعة و النصف صباحا هذا لأن
الأستاذ سالم -كما يقول صديقه الماركسي- لديه غرام محفوظي بالنظام... هذا ما يجعل مشهد الاستاذ سالم و هو يأكل سندوتشات الفلافل
ثم يرشف الشاي و يدخن باستمتاع و يستمع الي الاذاعة الصباحية مشهدا تقليديا يتكرر في فيلم الانفتاح الذي بدأ منذ السبعينات و يعرض الي الآن دون نجاح جماهيري يذكر..... و لولا أن ابنائه في الجامعة المصرية و لولا أنه صاحب مرض لقدم استقالته من الشركة و ربما من
الحياة نفسها.... هذا ما دفع أصدقاؤه في الشركة-عندما رفض رشوة في صفقة توريد المازوت الأخيرة- يطلقون عليه سرا "العبيط" و لكنه لم يهتم
.......................
أكثر ما يؤرق العسكري عبد المولي هم هؤلاء المتظاهرين فهم السبب في حرمانه من الاجازة بسببهم لا يري ولديه بسببهم ينصهر قفاه في الحر لساعات غير معدودة بسببهم لا ينام في فراشه النحاسي مع زوجته و ينام في عربة الأمن المركزي التي لا تحمل سوي القمل و رائحة
العرق المنتن و هو بداخله العميق يعلم أن هؤلاء المتظاهرين كاذبون لحد النخاع فهم يدعون أنهم قادمون لتغيير الوضع و هم يأتون قبل المظاهرة في أفخر السيارات و التي لا تقل عن سيارات رجال الدولة في شييء....و هؤلاء يرتدون الأوشحة المزينة بأسم الله ثم يقولون أنهم نواب الشعب و أنهم الأقرب من الشعب و مع ذلك فعباراتهم جوفاء لا يفهمها و كذلك لا يفهم عبارات هؤلاء الذين يضعون البادج الاصفر مثل"أين الاشتراكية" و مثل "التحول الديمقراطي" و مثل تلك العبارات الكثيرة التي لا يدري كنهها و التي ترجمها أحد الخفراء
الذين يثق في آرائهم-فهو راسب ثانوية عامة- بأنها كلمات قبيحة لا يصح تداولها في مجتمع مسلم كمصر...لهذا عندما يقف أمامهم عبدالمولي لا يشعر بأي شفقة أو تعاطف بل العكس تماما يشعر بحقد و غل شديدين كلما تذكر أنهم السبب في حالته المزرية وقلة نومه
لهذا تكون أمنيته في و قفته -خصوصا أمام المحاكم-أن يصدر اليه الضابط المتنكر في بدلة مدنية بالضرب عندها يضرب هؤلاء الملاعين
بحماسة تدهش الضابط نفسه و ببنية صلبة بسبب كثرة الوقوف في الشمس الحارقة عندها يشعر بأهميته و بدوره في حماية أمن مصر و
بالهبة الألهية المتمثلة في عصا غليظة سوداء و درع من الفايبرجلاس......و بعد المظاهرة يتفرغ لمشاهدة الضابط و هو يلوك ساندوتشات اللحم البارد التي أحضرها بنفسه من محل قريب-دون أن يحاسب- فيجري ريقه جوعا و يتذكر الحكمة الوحيدة التي تعلمها من وقفته الطويلة
بأنهم جميعا "ولاد كلب في بعض".....ثم يخلع حذائه الميري في وقت الراحة -عشرة دقائق كل أربعة ساعات- ولا يجد أحدا ليضربه به
...............................
أخيرا شعر الأستاذ سالم بحقه في الثورة....ذلك عندما قطع مشهد جلوسه الصباحي علي القهوة منظر "الفلافلايا" الهزيلة التي قال صاحب عربة السندوتشات أنها ب35 قرشا كاملة لأن الأسعار جميعها غلت من زيت و دقيق و خضروات....و لأنه مولع بنظامه اليومي فقد تسبب
ذلك الغلاء في أفتقاده لكوب الشاي و لسيجارته الطويلة الأثيرة دفعه هذا التغيير لرفع عقيرته: آه يا ولاد الكلاب
و في انطلاقه الي شركته وهو متسلقا في الأتوبيس لمح الشركة من بعيد وقد و قف أمامها عدد غفير من العمال و الموظفين وهم ينددون بالغلاء الذي أمتص كل ما في جيوبهم من مال قليل اصلا أصوات هادرة تسب رئيس الشركة و وزارة التضامن و رئيس الوزراء و الكل
يطالب رئيس الجمهورية بالتدخل عندها أسترجع الأستاذ سالم أيام قد ولت في الستينيات و السبعينيات -و الأخيرة علي وجه الخصوص-لذا
عندما هبط من الأتوبيس في أتون المظاهرة أستعاد ابتسامة فقدها منذ زمن و هو يقول لصديقه الماركسي:يا كل دول مشربوش شاي الصبح
ناولني الميكروفون يا حنا
..................................
وقف العسكري عبد المولي ذاهلا أمام الموظفين و هويصدهم بوهن-داخلي لا خارجي- كل هؤلاء لا يجدون قوت يومهم هذه المظاهرة تختلف بالتأكيد لقد سمع عبارات فهمها أخيرا "لحمة" ثم أدهشه أن بقية العبارات كلها عن الطعام.....زيت سكر دقيق ووووو.....الي هذا
الحد! لماذا لم يظهر أصحاب الأوشحة و البادجات الصفراء....و من بعيد لمح ذلك العجوز الذي يهتف بحماسة شديدة ضد رئيس الوزراء
ووزير المالية و قد غمر العرق بدلته الصيفية .....أما الباشا الضابط فكان يجلس في السيارة و هو يتحدث في هاتفه المحمول و يدخن سيجارته الأجنبية في استمتاع.....بقي هذا الوضع لمدة ساعتين الي أن صدر من داخل الشركة عبر المذياع الداخلي صوت غليظ عجوز
عرفه الموظفون علي الفور:مش حتشوفوا مليم زيادة طول مانتوا في الشارع...خليكوا في الشارع لحد ما الشمس تسيحكوا....أدخلوا و نتفاهم محدش فيكوا حيلوي دراعي
عندها ازداد الغليان و ارتفعت الأصوات فأيقظت الضابط و رفاقه داخل السيارة فهبط منها و وجهه أسود توجه بسرعة الي الخطوط الأمامية
و لمح المتظاهرين من خبرته الطويلة أدرك أن ذلك العجوز و الذي يمسك له الميكروفون هما "قلب المظاهرة" أجري اتصالا قصيرا فعرف
أسميهما علي الفور فناداهم عبر ميكروفون خاص توقفت المظاهرة "تعالوا نتفاهم جوه الشركة" هكذا أنطلقت كلماته
فوجيء الضابط بالأثنان يرفعان صوتهما في الميكروفون منددين بتدخله في المظاهرة ثم تلاه المتظاهرون الذين رفعوا أصواتهم أكثر
هذه المرة..... ومن بعيد لم يلمح المتظاهرون هؤلاء المدنيين الذين أندسوا وسط الصفوف و بدأوا في سب النظام و الحزب و أمين سياساته
عندها أبتسم الضابط بعدما أيقن بنجاح الخدعة و أتجه لعبد المولي و رفاقه:أضربوا ولاد الكلب دول
عندها تجرأ -ولأول مرة- العسكري عبد المولي و سأل :بس يا باشا....دول
قاطعته صفعة قوية تعلمها الضابط في أكاديمية الأمن:أنت بتقول أيه مسمعتش يا صعيدي يا بن الشرموطة
عندها فقط أستعاد عبد المولي عصايته و درعه الفايبرجلاس و أمطر المتظاهرين بالعصا السوداء بضرباته و هو يصرخ من وسط دموع
أبي أن تنحدر علي وجهه:آه يا ولاد الكلاب
أما الأستاذ سالم فقد ظلل يردد نفس الجملة و الدماء تتفجر من رأسه الأصلع....و عندما سألته زوجته عن سبب تلك الدماء في المساء
قال لها بحسرة: أصلي مشربتش الشاي الصبح

8 comments:

Hedaya Al Haj said...

ياه ،
اعجبتني هذه التدوينة
لا لقد أعجبتني بشدة . هنالك فقرة قرأتها مرتين متتاليتين علني اهتدي للسر الذي رميته داخلها ولكن رايت بان السر كامن في التدوينة ككل ..

شخصيّة غريبة هي تلك التي تحكيها شخصية " الاستاذ سالم " هذا لا ادري ان ،كنتُ معجبةً بها أم ترى أن قلمَكَ استطاع حبكَ التفاصيل ليبدو هذا رغم بساطته انموذجا لشيء مفقود ، قصة الرشوة ، المظاهرات!!

سأعود مرَّة أخرى لا لشيء بل لأكتشفَ اكثر !!

Zivago said...

عروبة
لا يوجد سر في "التدوينة" كلها
هي عن مصر
موظفيها في القطاع العام بعد أن ضربهم السادات بعصا الانفتاح وضربتهم الحكومة الحالية بعصا الاسعار
فضربهم الأمن بعصاته
هذا جزء من مصر و لهذا أصنف تلك القصص
بحدوتة مصرية..... ربما من هم خارجها لا بفهمون ما داخلها بالتحديد
و علي كل حال اتمني تكرار الزيارة
فقلمك في مدونتك الخاصة رائع
قد تكتشفين أكثر اذا زرتيها مجددا
و قد أكتشف أنا أيضا....هناك مدونة أسمها حريق الأبجدية يصر صاحبها علي
أن الكلمات تكتبنا لا نكتبها
و أعتقد أنه مصيب مصيب للغاية
تحياتي لك

micheal said...

تصفيق حاد جدا لهذه التدوينه المعبره الملخصه لحالنا و لو أني شايف ان الانفتاح في حد ذاته مش هو اللي بهدل الدنيا و إنما طريقه تطبيقه الفوضويه هي اللي تسببت في إختلال الكثير من الموازيين بشده حتي يومنا هذا بس أرجع و اقولك بكره نتحسر علي أيام حسحس لما تيجي ايام جيمي
تمنياتي بمباره قمه بدون شتيمه و يا رب زباله الالتراس أهلاوي يسيبوا الواد شيكابالا في حاله و منشوفش جمهور الزمالك بيرد بشتيمه أبوتريكه اللي أهو أفضل لاعبي مصر خلقا

Zivago said...

مايكل
وصف أحمد بهاء الدين الانفتاح في عصر السادات انه انفتاح السداح مداح
تجلي هذا في ازدياد عدد المليونيرات
المصريين ايام عهده
الانفتاح أدي لاستثمار استهلاكي بلا انتاج فزاد التضخم و قل دور القطاع العام مما انعكس علي الطبقة المتوسطة في مصر و لهذ كان موظفي القطاع العام بحالهم الحالي
و تحية كبيرة لنجم مصرابو تريكة
و للصغير شيكابالا
و طز في اللي بيولعوها
تحياتي

رئـــــيسـة حزب الأحلام said...

السلام عليكم اشكرك على زيارتك لمدونتى المتواضعة وانشاء الله هنفذ طلبك

micheal said...

هارد لك يا باشا و ربنا يخليلنا صديقنا بشيشو هو و حبيب قلبنا أوسه
تحياتي

Zivago said...

يا سيدي نعيش و ناخد غيرها
ادعيلنا بس في الكاس
و الف مبروك
تحياتي

Khadieja Eshra said...

تدوينة غاية فى الروعة تحياتى و الى الامام